"البودكاست".. وسيلة رقمية تشق طريقها نحو التوعية بمخاطر تغير المناخ
السعودية والإمارات من أكبر الأسواق العربية
بتقنيات إعلامية رقمية تتواكب مع متغيرات العصر، اقتحم البودكاست مجال التوعية البيئية للحد من مخاطر تفاقم ظاهرة تغير المناخ.
ويأتي اسم البودكاست اشتقاقا من كلمتي الإذاعة (Broadcast) وآي بود (iPod) لتعبر عن البرامج الإذاعية التي تبث حسب الرغبة، بخلاف محطّات الراديو التي تبث المحتوى وفق خطتها البرامجية.
ويتيح البودكاست لمتابعيه الاستماع إليه في أي وقت يرغبون به من خلال تحميل ملفات البث الصوتي، ولذلك اكتسب شعبية كبيرة لدى سكان الدول والشرق الأوسط.
وفي مطلع عام 2023، توقع خبراء الإعلام والاتصال خلال مؤتمر بجامعة الشارقة في دولة الإمارات، أن يكتسب البودكاست أرضية واسعة من خلال نمو غير مسبوق في الشرق الأوسط خلال العامين المقبلين.
وتزايد عدد برامج البودكاست في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل سريع، حيث شهد عام 2018 ما يقرب من 300 بودكاست، فيما وصل عدد البرامج في عام 2023 إلى 464 بودكاست، بحسب تقديرات ar-podcast.com.
ووفق موقع "Podnews" فإن المملكة العربية السعودية تعد من أكبر الأسواق البودكاست، حيث يستمع إليها 5.1 مليون شخص، تليها الإمارات العربية المتحدة بـ2.3 مليون مستمع، إضافة إلى ارتفاع عدد البودكاست بالمنطقة في يناير الماضي إلى 19 ألفا مقارنة بـ2000 خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.
وعالميا، هناك أكثر من 4 ملايين بودكاست، إذ تم إطلاق 100 ألف برنامج بودكاست جديد في عام 2020، وخلال سنوات 2020 و2021 و2022 بلغ معدل إنتاج حلقات البودكاست 28 مليون حلقة سنويا، بحسب الإحصائيات الصادرة عن موقع Listen Notes.
ويكتسب البودكاست شهرته من سهولة الاستماع لبرامجه سواء في المواصلات أو أثناء الدراسة أو العمل، حيث يمنح فرصة للتركيز على الرسائل والمواضيع بعيداً عن تشتيت التركيز بالصور والألوان والإضاءة وغيرها من تقنيات وسائل الإعلام الأخرى.
بودكاست مناخي
ومع المتغيرات البيئية المتسارعة المرتبطة بظاهرة الاحترار العالمي، اجتذبت برامج البودكاست المناخية العديد من المتابعين، لا سيما أنها تستضيف الكثير من المتخصصين في هذا المجال وتناقش القضايا البيئية وتطرح حلولا لها.
وهناك العديد من بودكاسات عن البيئة والمناخ التي تتناول قضايا التغيرات البيئة في العالم العربي، ويأتي أبرزها "بودكاست أخضر"، و "بودكاست المناخ بالمصري"، و"بودكاست أوزون"، و"بودكاست ليمون أخضر"، و"بودكاست صفر كربون"، و"بودكاست كورطابل"، و"بودكاست بيئة وشياكة"، و"بودكاست تغيير بسيط"، و"بودكاست مد وجزر".
وتهدف تلك البودكاستات إلى التوعية بالقضايا البيئية وتشجيع الناس على اتخاذ إجراءات للحفاظ على البيئة وتعزيز الاستدامة، كما تقدم المعلومات والتحليلات والنصائح بطريقة قابلة للفهم والتطبيق، لتوضيح كيفية تأثير القضايا البيئية على الحياة بمختلف جوانبها.
وتعتبر التوعية بالمخاطر المناخية أمرًا هامًا للتحرك نحو مستقبل أكثر استدامة بيئية وعدالة اجتماعية ورفاها مجتمعيا، وذلك من خلال العديد من السبل أبرزها استخدام الطاقة المتجددة، والزراعة المستدامة، والتنمية العمرانية الخضراء، والتكنولوجيا البيئية، وسياسات الحفاظ على البيئة.
ولا تقتصر تجارب البودكاست البيئي على المبادرات الشبابية فحسب، بل هناك العديد من المؤسسات الإعلامية الكبرى التي أطلقت محتوى البودكاست الخاص بها للانخراط في الجهود العالمية للتوعية بقضايا المناخ، من بينها إندبندنت عربية، وبي بي سي، ومونت كارلو الدولية وغيرها.
ووفق الخبراء والمتابعين، فإن نوعية البودكاست البيئي والمناخي لا تزال تواجه بعض التحديات، أبرزها عدم التركيز على تنمية وتطوير الصحفي العلمي ليواكب المتغيرات المستمرة ويتابع كل الدراسات التي تصدر يوميًا، إلى جانب أن البودكاست أقل حظًا من الفيديو لأنّ الثقافة السمعية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط لا تزال في مهدها.
وتبرز التوعية البيئية والمناخية، بالتزامن مع تصاعد معدل الظواهر المناخية المتطرفة والكوارث الطبيعية، مثل حرائق الغابات والسيول والفيضانات والتصحر والجفاف والزلازل وتزايد الأمراض والفيروسات وانقراض الحيوانات والإضرار بالتنوع البيولوجي.
سرد قصصي
وقالت المديرة التنفيذية لبودكاست "كورطابل" التونسي، سيرين عبيدي، إن تلك التقنية الإعلامية الرقمية تزايدت أعدادها وبرز دورها في الدول العربية مؤخرا بسبب أهميتها في التوعية واكتساب المعلومات الخاصة بظاهرة التغير المناخي، والتي طالت بدورها جميع جوانب الحياة.
وأوضحت عبيدي في تصريح لـ"جسور بوست"، أن تقنية البودكاست تتيح للمستخدمين استخدام الخيال نظرا لعدم وجود صور أو فيديوهات، فضلا عن أنها لا تحتاج سوى توافر بنية تكنولوجية لمتابعة المحتوى الصوتي الذي تقدمه، وهو ما بات أمرا سهلا ومتاحا بسبب انتشار الهواتف الذكية والأجهزة التكنولوجية.
وأضافت: "مشروع بودكاست كورطابل، يقدم بجانب المحتوى البيئي والمناخي التوعوي، دورات تدريبية في صناعة المحتوى والتسويق لحساب شركات خضراء (صديقة للبيئة) حيث يمثل البودكاست تقنية جديدة للتسويق بهدف عرض مميزات الخدمات أو المنتجات بأسلوب قصصي مشوق وجذاب، يساعد على الوصول إلى شريحة عملاء جدد".
وركزت عبيدي على أهمية استعراض المحتوى الخاص بالبودكاست بأسلوب سرد قصصي مشوق، وذلك لجذب المستمعين والمتابعين إلى ما يقدمه من معلومات أو بيانات أو قصص إنسانية، مع ضرورة الاهتمام بتبسيط المفاهيم البيئية وتقديم معلومات مفيدة حول علاقة الفرد بالمناخ وغيرها.
ومن أبرز القصص التي سردها بودكاست كورطابل، هي "ولد بحر" التي تحكي عن كائن بحري خيالي تواجد في بحر طبرقة (شمالي تونس) ويخوض مغامرة للبحث عن توأم روحه بصحبة عالمة بحار يلتقي بها صدفة، حيث تناولت حلقة البودكاست من خلال السرد القصصي الخيالي تأثير ظاهرة التغير المناخي على دولة تونس.